فيلم السبورة
الاثنين، 23 فبراير 2009
دلالات تحريك الواقع – فيلم السبورة نموذجا -
عنوان الفيلم – السبورة
انتاج عام 2000 - ايراني
تمثيل – سعيد محمدي و بهناز جعفري و بهمن قيادي
اخراج – سميرة مخملباف
سيناريو – محسن مخملباف
كلما تسقط صخرة من علو شاهق ، او يتداعى شيخ مسن في اعماق وادي ، ثمة لغة سينمائية محبوكة ، اذ تبقى عيوننا مشدودة ، وفي عقولنا يتصاعد الانبهار الذي افلحت في خلقه مخرجة الفيلم – سميره مخملباف – هذا الانبهار والشد الهائل المضغوط لم تستخدم فيه المخرجة اي تكنولوجيا او اسراف في الديكورات والاكسسوارات والاضاءة وغيرها ، لقد استخدمت ادوات بسيطة ، طبيعة قاسية صماء ، جبال ومنحدرات وصخور ، وكهوف ، وخليط من شيوخ واطفال - لم يمثلوا سابقا – لكنهم كانوا دعامة العمل ، بل تحولت الطبيعة وصراع الكادر معها الى ثيمة روائية محبوكة باتقان ، قرى كردية تهاجر او تهجر على خلفية الحرب العراقية الايرانية او ماكان يسمى ب – الانفال - سيئة الصيت ، تهرب من بطش الحرب التي لم تكن موجودة في الفيلم ولم نرها ، لكنها كانت موجودة في كل لقطة نحس بوجودها من خلال الرعب الذي ينتاب الجميع ، نراها في وجوههم واجسادهم التي تحتمي بين الصخور بحثا عن الامان .
نتوغل وسط طبيعة قاسية ، في الكهوف ، وفي اعماق انسانية تتحاور ، تتصارع ، لقطات طويلة مشحونة بالاحاسيس الانسانية والتشبث المذهل بالحياة عبر الهروب الطويل . من اللقطات الاولى للفيلم تواجهنا المسيرة الجماعية المرعبة، كادر ثابت ومسحوق ومهزوز من الحرب القسرية ، ومجاميع تمارس التهريب ومجاميع تمارس الهرب من اجل الخلاص ... يربط الكل هاجس المصير الواحد الذي يلازمها من اسفل الوادي الى قمة الجبل ، وكانت علاقة الحب - المقترحة – بين المعلم وبين امرأة ارملة نذرت نفسها لحماية ولدها . المعلم يحمل سبورته على ظهره كما حمل المسيح صليبه .. والمرأة تحمل طفلها على كتفيها وتسير الجميع يسير ولم يكتف المعلم ولم ييأس بل كان يكتب لها رسائل الحب على السبورة ويحاول ان يعلمها كيفية نطقها ولكن المرأة اكتفت بحماية ولدها والسير ، وتترجم احاسيسها بعبارة – ربما هي من الشعر الفارسي – والتي تقول – قلبي مثل قطار ، يصعد اليه ركاب كثر وينزلون ، ولكن يبقى ولدي هو الراكب الوحيد فيه - فيلم بسيط في كل ادواته ، حتى في التصوير ، لم تستخدم فيه غير الكاميرا المحمولة الخفيفة التي نراها تخترق كل شيء .. الوجوه المحفورة بالحزن والخوف ... الايدي المتعرقة ، الصخور التي تهوي والاقدام التي تتسابق للآحتماء من الحرب ومازجت المخرجة بين لغة الريبورتاج والثيمة الروائية ، في صور مثلا ... علاقة الحب التي لم تتم بين الاستاذ والمرأة ... العلاقات الانسانية الجميلة ، مشاعر الفرح والحزن واللعب البدائية ، اضافة وهذا مهم جدا توظيفها – السبورة– لخدمة النص والبناء عبر رسائل رمزية شفافة ، فالسبورة هي اداة للمعرفة والتي حملها المعلم على ظهره منذ بدء الفيلم وحتى نهايته ... نراها تتحول الى حمالة لنقل احد الشيوخ الذي ينهار ويحملوه على اكتافهم وهم يركضون في لحظة حرجة وعند سقوط احد الاطفال في الوادي وتتهشم ساقه ، يضطر المعلم الى كسر جزء منها لتجبير الساق المكسورة ، وكذلك الى رسائل حب يبثها المعلم الى حبيبته ، وعند اشتداد القصف تتحول الى جدار يحتمي فيه الشيخ والمرأة والطفل والمعلم ، واداة تعليم لاحد الصبية الذي يقرأ ويكتب عليها ، وفي لحظة وله يسمح المعلم للمرأة ان تنشر عليها ملابس ولدها المبتلة . هذه ثيمات بسيطة قدمتها المخرجة عبر فيلم اعتبره متوازنا في كل شيء ، التوازن في الالوان ، وفي بث الصور ، حتى الصمت الذي لم يشرخه سوى سقوط الحجارة ، او صرخة هلع او بكاء طفل ، كل هذا اكمل هارمونيك التوازن فيه ، وكان اختيار كادر غير محترف اضاف لمسة نجاح في صدق التعبير والابتعاد عن التكلف ، قدم الفيلم رسالة ناجحة عن شعب هرب بجلده من الموت على خلفية – الانفال – سيئة الصيت ، وكان تركيز المخرجة على المحتوى وليس الشكل ، فكان غياب البطل الواحد مقصودا .. المجاميع المهاجرة وسط قسوة الطبيعة هي البطل والمحرك هو الحبكة ، حبكة السيناريو الذي كتبه والد المخرجة المخرج المعروف – محسن مخملباف - .
وفي النهاية اود ان اخرج بهذه الرسائل عن الفيلم - فهو اولا – اكد انه بالامكان عمل سينما راقية بادوات بسيطة تعتمد الرؤية الحقيقية في طرح الواقع ، وان مجموعات الكومبارس التي احتلت مساحات واسعة في الفيلم كانت تمثل بتلقائية وصبر كبيرين . وكان مضمون فيلم السبورة هو البطل الحقيقي ويمكن ان يصل الفنان الى الابهار في عمله باستخدامه البساطة ، وان المجاميع - وهذا مهم – كانت تتجاهل الكاميرا ، وتتصرف بعفوية رغم بعض الهنات البسيطة فالفيلم يعتبر من الافلام الناجحة . وكذلك قدم رسالة مهمة عن واقع ومعاناة الشعب الكردي الذي يحاصر على الحدود ، اينما يتجه يجد من يحاربه ويبغي قتله ، وكان غياب الموسيقى لافتا حيث كان الصمت مكملا رئيسيا للصورة ، حيث يمكن ان يكون الصمت صوتا عبر تضخيم حالات الموت والقسوة . وكان من الرسائل التي حرصت المخرجة على بثها كونها ايرانية تتعاطف مع الاكراد حيث حرصت على الاجابة عن سؤال - كيف يمكن ان تقدم مجتمعا مضطهدا في مساحة صغيرة ؟ - واعتقد ان الموضوع له علاقة بالفن الذي يكمن سحره في قدرته على تحريك الواقع حيث يمكن ان نلتقط عدة حواس في هذا الفيلم حيث نرى في مشهد واحد تنويعات هائلة بالافكار منها الكادر الواحد التشكيل في الافكار وهو مختلف عن افلام العالم الثالث المكيفة والمؤثثة لكنها فارغة من المحتوى او الفاشلة في تحريك الواقع وكذلك اعتبر فيلم السبورة درسا مهما لتعليم صناعة افلام بسيطة ذات مغزى كبير لانه قدم مجموعة قصص ، منها العلاقة بين المعلم والارملة وهذا هو الشىء الرائع وغير المفسر ، اى لماذا لم تكتمل هذه العلاقة ، كان الامر مقصودا حيث ان الخلفية العامة للفيلم انه كان فيلما مسيسا رغم خلوه من اى شيء سياسي ، انها قسوة عاشها شعب وسط حرب لم نرها لكننا رأينا تأثيراتها والمخرجة كانت لديها اكثر من عدسة قدمتها الينا بتغطية كل الاحداث ، عموما كان الفيلم رسالة رومانسية عن الشرق وقدم لنا شعبا طيبا لاوجود لاي شيء شرير فيه وهذه الرسالة هي نسيج شعري محبوب .
posted by balasim @ الاثنين, فبراير 23, 2009,
0 Comments:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الفيل السينمائي
موقع الفيل السينمائي يهتم باحلام وهموم واخبار ونتاج السينما العراقية ويهتم ايضا بفن الفيديو والكتابة السينمائية الابداعية في مجال النقد والسيناريو. ويرحب موقع الفيل بكل الاقتراحات والاراء. يمكنكم ان ترسلوا صور من افلامكم لتوثيقها في الموقع ونستقبل ايضا اي صورة من ارشيف السينما العراقية. يرحب الفيل بكل الاصدقاء والزملاء الذين يرغبون في المساهمة في تحرير الموقع.تأسس موقع الفيل عام 2005 ثم توقف عن العمل لفترة طويلة لاسباب وظروف عديدة ثم عاد الى شبكة النت بعنوان جديد في عام 2008
يقوم الفيل باعادة نشر المواد والاخبار المهمة فقط عن السينما العراقية مع الاشارة لمصدر النقل.اما المواد والكتابات التي ترسل من قبل اصحابها ,والمنشورة سابقا، فلن نشير في موقع الفيل الى مصدر نشرها الاول. يسمح بنقل ونسخ مواد وصور موقع الفيل الخاصه به بعد الاشارة الى المصدر. ننشر الكتابات والدراسات عن السينما العربية والعالمية باقلام عراقية فقط. يتم تحديث الموقع باستمرار. تظهر المواد الجديدة في الصفحة الرئيسية ثم تنقل الى ابواب الموقع.جميع المواد ترسل الى بريد المحرر الشخصي
تحرير واشراف
حسن بلاسم
hassanblasim@hotmail.com
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحركةـ الصورة
من الممكن مقارنة المؤلفين السينمائيين الكبار ليس فقط بالرسامين والمهندسين المعمارين والموسيقيين ، وانما يالمفكرين ايضا. فهم فكروا من خلال الصورة ـ الحركة والصورة ـ الزمن ، بدلا عن التفكير من خلال المفاهيم والتصورات. غير ان المقدار الهائل من الضعف وعدم الكفاءة في الانتاج السينمائي ليس اعتراضا على ذلك. فهو هنا ليس اسوأ منه في اي مكان اخر ، بالرغم من نتائجه الاقتصادية والصناعية الفادحة. لكن المؤلفين السينمائيين العظام ، هم فقط اكثر قابلية للجرح وتثبيط العزم من غيرهم. وما من شيئ أسهل من احباطهم والحؤول دون انجازهم لاعمالهم ، وتاريخ السينما حافل بقائمة طويلة من الشهداء
جيل دولوز